جرائم عدي

اليوم يصادف ذكرى هلاك الكسيح، وبالمناسبة أحببت أن أذكر ببعض جرائمه التي شهدتها ودونتها بنفسي..
٢٣تموز ٢٠٠٣..
كنتُ جالساً في مكتبي في منظمة حقوق الإنسان عندما دخل عليَّ صديقي وزميلي المحامي خزعل الساعدي بمشيته المميزة المعهودة، يخط برجليه كمشية المتثاقل المهموم..
-الله بالخير ابو وسام
-الله بالخير حبيبي ابو جعفر
-كأنك اليوم تريد تطلق لما في صدرك العنان..
-أي والله ياخوية، وأنت راح تكون أول واحد بعد أهلي أبوح له بهذه المأساة التي بقيت جاثمة على صدري كل هذه السنوات..
-سولف خوية..
كان ذلك في العام ١٩٩٥ عندما دخل مكتبي صديقي المسيحي (ن) وأخبرني بأن ابنته ذات السبعة عشر ربيعاً ذهبت إلى المدرسة ولم تعد منذ يومين، وإنه بحث عنها في مستشفيات بغداد ومراكز الطبابة العدلية وسأل عنها في مراكز الشرطة، ولم يجد لها من أثر..
رثيت لحاله وسألته عن ما يمكن أن أقدمه له من خدمة بهذا الخصوص.. فقال لي بأن جماعة من معارفه، سمعوا عن قضايا مشابهه، نصحوه بأن يسأل عنها في داخل اللجنة الأولمبية..!!
حينها إستغربت ما سمعت، وسألته ولماذا اللجنة الأولمبية..؟
فقال: لا أدري، ولكنهم هكذا قالوا لي
فسألته: ولماذا لم تحاول الذهاب إلى هناك، عسى أن يكون كلامهم صحيحاً..
فقال بأنه لا يجرؤ على زيارة المؤسسة التي يديرها عدي ابن الرئيس، وهو رجل مسيحي مستضعف، وسألني فيما إذا كان بالأمكان مساعدته للسؤال عن ابنته هناك..
ترددت في بادئ الأمر لكوني قد سمعت الكثير من جرائم عدي الماجن، ولكني وعندما رأيت في عيني ذلك الرجل المسكين نظرة البائس الحائر المستضعف، وافقت على الذهاب والسؤال..
في اليوم التالي ذهبت إلى اللجنة الأولمبية وما أن دخلت إلى هناك حتى إستقبلني موظف الإستقبال وكان فظاً غليظاً ولا يبدو على محياه إنه من جنس البشر، ولما عرف بأني أسأل عن فتاة مفقودة، زاد وجوما ً وإكفهرارا فوق بؤسه وطلب مني مستمسكاتي التي تثبت بأني محامي، فأعطيته هوية نقابة المحامين التي قبض عليها كمن يسترد شيئاً كان عائداً له، وأمرني بالجلوس والإنتظار، ثم إختفى برهة وما لبث أن رجع مسرعاً ويعلو وجهه نفس البؤس إن لم يزدد قليلا، وعاد إلى جلسته وكأن شيئاً لم يحدث.. ولما سألته عن ما يمكن أن أجيب به موكلي، رد من دون أن ينظر إلى وجهي.. “گتلك إنتظر”..
بقيت أنتظر حوالي أربع ساعات وفي كل مرة أقول له بأن يعطيني هويتي لأني تأخرت على مواعيدي في المحكمة يقول لي لايمكنك المغادرة الان.. الأستاذ يريد يشوفك..
وبعد طول فترة إنتظار، جاء رجل طويل بشارب كث وسنحة ميتة وأمرني بحركة قاتل مأجور أن أمشي معه.. صعدنا سلالم ودخلنا دهاليز حتى وصلنا غرفة الكسيح عدي، الذي ما أن رآني حتى إنهال عليَّ بأقذر الشتائم وأنواع السباب، وقال بأنه سيكتفي هذه المرة بكسر رجلي حتى لا تسول لي نفسي أن أعود إلى هنا ثانية، ولو عدت سيكون مصيري القتل.. ثم أمر الرجل الذي كان يقف بجانبي بأن يصطحبني خارج بناية اللجنة الأولمبية، بطريقة أمر كأنهم أتفقوا مسبقاً على تفاصيلها… “أخذه طلعه بره، ولتخليه يتجرأ يجي بعد”
أمرني الرجل القاحل بأن أمضي خارجاً، وما أن هممت بالخروج وبعد بضعة خطوات أخرج مسدساً كان في جنبه وأطلق رصاصة أصابت قدمي وطرحتني أرضاً، ثم حملوني بسيارة حوضية وساروا بي إلى أن ألقوا بجسدي الدامي أمام مستشفى حماد شهاب وذهبوا..
الغريب إن الحراس الذين كانوا يقفون في باب المستشفى والطاقم الطبي الذي أجرى لي العملية، قاموا بواجبهم على أتم وجه من دون أن يسألوني عن تفاصيل ما جرى لي، أو هوية الشخص الذي اطلق عليَّ النار، وكأنهم قد أعتادوا أن يكملوا دورهم في مسلسل أعيدت سيناريوهاته لأكثر من مرة..
-“زين خوية والبنت ما سمعتوا شي عنها” ..
-البنت يا خوية عادت إلى أهلها بعد اسبوع من الحادث، وقد جرى إغتصابها لأكثر من مرة على يد عدي الكسيح وجلاوزته، وحذروها بالقتل فيما لو نبست ببنت شفة عما حدث..
دونتُ كل ما ذكره زميلي ابو وسام، ونشرته في صحيفة صدى الإنسان ثم تولت صحيفة الواشنطن بوست نشر القصة كاملة في العام ٢٠٠٣ لتبقى شاهداً حياً يضاف إلى سلسلة جرائم أقسى وأقذر عائلة حكمت العراق طيلة تأريخه…
عدنان سبهان

Share:

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *